فصل: البلاغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة غافر: الآيات 77- 78]:

{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (77) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)}.

.الإعراب:

{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} الفاء الفصيحة أي إن بدا لك منهم ما بدا من صد وإعراض فلا تبتئس واصبر فإننا سننتقم لك منهم.
واصبر فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وإن واسمها وخبرها تعليل للأمر بالصبر.
{فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ} الفاء عاطفة وإن الشرطية مدغمة في ما الزائدة ونرينك فعل الشرط مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة في محل جزم والفاعل مستتر تقديره نحن والكاف مفعول به وبعض الذي مفعول به ثان وجملة نعدهم صلة الذي، أو نتوفينك عطف على نرينك والفاء رابطة، وإلينا يرجعون: إلينا متعلقان بيرجعون والجملة جواب للشرط الثاني وهو نتوفينك وجواب الشرط الأول والتقدير فإما نرينك بعض الذي نعدهم من العذاب وهو القتل والأسر يوم بدر فذاك أو أن نتوفينك قبل يوم بدر فإلينا يرجعون يوم القيامة فننتقم منهم أشد الانتقام.
وإنما حذف جواب الأول دون الثاني لأن الأول إن وقع فذاك غاية الأمل في إنكائهم فالثابت على تقدير وقوعه معلوم وهو حصول المراد على التمام وأما إن لم يقع ووقع الثاني وهو توفيه قبل حلول المجازاة بهم فهذا هو الذي يحتاج إلى ذكره للتسلية وتطمين النفس على أنه وإن تأخر جزاؤهم عن الدنيا فهو حتم في الآخرة ولابد منه.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} الواو عاطفة واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وأرسلنا فعل وفاعل ورسلا مفعول به ومن قبلك نعت لرسلك أو متعلقان بأرسلنا ومنهم خبر مقدم ومن مبتدأ مؤخر وجملة قصصنا صلة وعليك متعلقان بقصصنا ومنهم من لم نقصص عليك عطف على الجملة الأولى وهي نعت لرسلا أو مستأنفة.
{وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} الواو عاطفة وما نافية وكان فعل ماض ناقص ولرسول خبر كان المقدم وأن وما في حيزها اسمها المؤخر وبآية متعلقان بيأتي وإلا أداة حصر وبإذن اللّه استثناء من أعم الأحوال.
{فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ} الفاء عاطفة وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة جاء أمر اللّه في محل جر باضافة الظرف إليها وجملة قضي بالحق لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ونائب فاعل قضي مستتر تقديره هو أي الأمر وبالحق حال أي ملتبسا بالحق وخسر فعل ماض وهنالك اسم إشارة في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق بخسر والمبطلون فاعل خسر.

.الفوائد:

ضمير النكرة نكرة أم معرفة؟
تساءل بعضهم عن الضمير في قوله {منهم من قصصنا} والعائد على قوله {رسلا} أهو نكرة أم معرفة؟ وأجاب بأنه نكرة لأن مدلوله كمدلول المرجوع إليه وهو نكرة فوجب أيضا أن يكون الراجع نكرة إذ التنكير والتعريف باعتبار المعنى والصحيح أنه معرفة لأن الهاء في قولك: جاءني رجل وضربته ليست شائعة شياع رجل لأنها تدل على الرجل الجائي خاصة لا على رجل والذي يحقق ذلك أنك تقول جاءني رجل ثم تقول: أكرمني الرجل ولا تعني بالرجل سوى الجائي ولا خلاف في أن الرجل معرفة فوجب أن يكون الضمير معرفة أيضا لأنه بمعناه.

.[سورة غافر: الآيات 79- 85]:

{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (79) وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80) وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثارًا فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (85)}.

.الإعراب:

{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ} كلام مستأنف مسوق لتعديد بعض آلائه سبحانه، واللّه مبتدأ والذي خبره وجملة جعل صلة ولكم متعلقان بجعل لأنها بمعنى خلق والأنعام مفعول به، وقد تقدم تفسيرها في سورة الأنعام ولا معنى لتخصيص الإبل وحدها، ولتركبوا اللام للتعليل وتركبوا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والجار والمجرور متعلقان بجعل لأنها علة الخلق ومنها متعلقان بتركبوا أي من بعضها فمن للتبعيض ولا معنى لجعلها ابتدائية ومنها تأكلون عطف على ما تقدم {وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ} الجملة معطوفة.
{وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} وعليها متعلقان بتحملون وعلى الفلك عطف على وعليها.
{يُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ} ويريكم آياته عطف على جعل لكم الأنعام وآياته مفعول به ثان، فأي: الفاء عاطفة وأي مفعول مقدم لتنكرون وقدم وجوبا لأن لأسماء الاستفهام الصدارة وتنكرون فعل مضارع مرفوع والاستفهام للتوبيخ قال الزمخشري:
وقد جاءت على اللغة المستفيضة وقولك فأية آيات اللّه قليل لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات نحو حمار وحمارة غريب وهي في أي أغرب قلت وقد ورد تأنيثها كثيرا ومنه قول الكميت:
بأي كتاب أم بأية سنة ** ترى حبهم عارا علي وتحسب

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} كلام مستأنف مسوق للشروع في توبيخهم والهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي والفاء عاطفة على مقدر أي أعجزوا فلم يسيروا في الأرض أي في نواحيها وأطرافها والفاء فاء السببية وينظروا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية والواو فاعل وكيف اسم استفهام في محل نصب خبر كان المقدم وعاقبة اسمها المؤخر ومن قبلهم متعلقان بمحذوف صلة الموصول.
{كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثارًا فِي الْأَرْضِ} كلام مستأنف مسوق لبيان مبدأ أحوالهم وعواقبها وكان واسمها وأكثر خبرها ومنهم متعلقان بأكثر وقوة تمييز وآثارا عطف على قوة وفي الأرض نعت لآثارا.
{فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ} الفاء عاطفة وما نافية أو استفهامية في محل نصب مفعول أغنى المقدم وأغنى فعل ماض وعنهم متعلقان بأغنى وما الثانية موصولة أو مصدرية ومحلها الرفع على الفاعلية أي لم يغن عنهم أو أي شيء أغنى عنهم مكسوبهم أو كسبهم.
{فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} الفاء هذه هي الفاء الثانية من أربع فاءات متعاقبة فالأولى للعطف كما قلنا بيّنت عاقبة كثرتهم وشدة قوتهم. والثانية عاطفة أيضا تشير إلى تفصيل ما أبهم من عدم الإغناء ولما ظرف بمعنى حين أو رابطة وجاءتهم رسلهم فعل ماض ومفعول به مقدم وفاعل وبالبينات متعلقان بجاءتهم وجملة فرحوا لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وعندهم ظرف متعلق بمحذوف صلة ما ومن العلم حال.
{وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} وحاق عطف على فرحوا وبهم متعلقان بحاق وما موصولة فاعل وجملة كانوا صلة وكان واسمها وبه متعلقان بيستهزئون وجملة يستهزئون خبر كانوا وسيأتي معنى هذا الكلام في باب البلاغة.
{فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} وهذه هي الفاء الثالثة وهي لمجرد العطف والتعقيب أي التي تجعل ما بعدها تابعا لما قبلها واقعا عقبه ولما حينية ورأوا فعل ماض وفاعل والجملة في محل جر بإضافة الظرف إليها وبأسنا مفعول به وجملة قالوا لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وجملة آمنا مقول القول وباللّه متعلقان بآمنا ووحده حال.
{وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} وكفرنا عطف على آمنا وبما متعلقان بكفرنا وجملة كنا صلة ما وكان واسمها وبه متعلقان بمشركين ومشركين خبر كنا.
{فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا} وهي الفاء الرابعة وهي للعطف وجملة يك معطوفة على آمنّا كأنه قيل فآمنوا فلم ينفعهم إيمانهم وقد أفادت العطف مع التفسير، ويك فعل مضارع ناقص مجزوم بلم وعلامة جزمه السكون المقدر على النون المحذوفة للتخفيف واسمها مستتر تقديره هو أي الشأن وجملة ينفعهم خبرها وايمانهم فاعل ينفعهم ويجوز رفع إيمانهم اسما لكان وجملة ينفعهم خبرها المقدم وليست المسألة من باب التنازع ولما حينية وجملة رأوا بأسنا في محل جر بإضافة الظرف إليها.
{سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ} سنة اللّه مصدر مؤكد لفعل مقدر من لفظه أي سن تعالى بهم سنة من قبلهم ويجوز أن يكون منصوبا على التحذير أي احذروا سنة اللّه في المكذبين والتي صفة لسنة وجملة قد خلت صلة وفي عباده متعلقان بخلت أي مضت في عباده والواو استئنافية وخسر فعل ماض وهنالك اسم إشارة في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق بخسر والكافرون فاعل خسر وقد استعير ظرف المكان للزمان أي وخسروا وقت رؤية اليأس ويجوز ابقاؤه على أصله.

.البلاغة:

فن التهكم:
في قوله {فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم} الآية فن التهكم وهو في الأصل تهدم البناء، يقال تهكمت البئر إذا انهدمت والغضب الشديد والتندم على الأمر الفائت وهو في اصطلاح البيانيين الاستهزاء والسخرية من المتكبرين لمخاطبتهم بلفظ الإجلال في موضع التحقير، والبشارة في موضع التحذير، والوعد في موضع الوعيد، والعلم في موضع الجهل، تهاونا من القائل بالمقول له واستهزاء به، وقد تقدمت الاشارة إلى هذا الفن كثيرا في كتابنا، قال الزمخشري: أراد العلم الوارد على طريق التهكم في قوله تعالى: {بل ادّارك علمهم في الآخرة} وعلمهم في الآخرة أنهم كانوا يقولون لا نبعث ولا نعذب وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى، وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا، وكانوا يفرحون بذلك ويدفعون به البينات وعلم الأنبياء كما قال عز وجل: {كل حزب بما لديهم فرحون} وما أجمل قول الحماسي:
أتاني من أبي أنس وعيد ** فثل تغيظ الضحاك جسمي

ثل أهلك، والتغيظ: الغيظ، وكني عن أبي أنس بالضحاك الذي كان ملكا قصدا للاستهزاء.

.الفوائد:

حذف نون مضارع كان المجزوم:
تقدم القول في حذف نون مضارع كان المجزوم بشرط كونه مجزوما بالسكون غير متصل بضمير نصب ولا بساكن، وقد وقع ذلك في التنزيل في ثمانية عشر موضعا، وقد سمع في الشعر حذفها إذ وليها ساكن، قال الخنجر بن صخر الأسدي:
فإن لم تك المرآة أبدت وسامة ** فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم

فحذف النون مع ملاقاة الساكن، والمرآة بكسر الميم ومدّ الهمزة آلة الرؤية فكأنه نظر وجهه فيها فلم يره حسنا فتسلى بأنه يشبه الضيغم وهو الأسد، والوسامة بفتح الواو: الحسن والجمال وحمله جمهور النحاة على الضرورة واستشهد بقول النجاشي:
فلست يأتيه ولا أستطيعه ولاك ** اسقني إن كان ماؤك ذا فضل

فحذف نون لكن ضرورة واستدل الفراء بهذا البيت على أن لكن المشددة مركبة وأصلها لكن أن فطرحت الهمزة للتخفيف ونون لكن للساكنين ومن طريف ما يروى عن هذا البيت أن النجاشي الشاعر عرض له ذئب في سفره فحكى أنه دعا الذئب إلى الطعام وقال له: هل لك من أخ يعني نفسه يواسيك بطعامه بغير من ولا بخل فقال له الذئب دعوتني إلى شيء لم تفعله السباع قبلي من مؤاكلة بني آدم ولست بآتيه ولا أستطيعه ولكن إن كان في مائك الذي معك فضل عما تحتاج إليه فاسقني منه. اهـ.